Wednesday, September 08, 2010,3:19 PM
صبي القهوة
الشارع الواسع لا يغري السائرين بالتسكع فيه ربما يتطيرون منه ولم لا فالمحكمة في أوله وسجن الترحيلات في آخره، مبانية قليلة الارتفاع تركت الشمس تفرض سطوتها علي الأسفلت الممزق، كملابس النسوة النائحات علي ذويهم كلما نطق القاض بحكم تعالت أصوات العويل ومن حين لآخر يحاولن اقتحام المبني فيمنعهم الحرس بغلظة كفيلة بمضاعفة العويل
منتصف الشارع قهوة جميع مريديها من ذوي المحكوم عليهم والمرحلين من السجن في الطرف الاخر للشارع، صبي القهوة يتلقي النفحات في صمت ليختفي خلف النصبة لدقائق ويعود بعلبة سجائر وكوب شاي بلاستيكي وقطعتين من النقود يودعهم ايدي عساكر الحراسة بابتسامة العارف مدعيا ان الحبيس قريبة وفي كل مرة يقبلون قطعتي النقد وفي كل مرة يناولون السجين كوب الشاي وعلبة السجائر وفي كل مرة ينبهون علي صبي القهوة انها الاخيرة التي يسمحون بهذا التجاوز الذي لم يكونوا ليقبلوا به لولا انه قريبة.
في السجن كان حسن يعد لمحاكمته بتهمة ضرب افضي الي الموت سلمه الحارس بدلة سجن غير ممزقة و بلا بقع أوصاه باعادتها بحالتها تاركا اياه بلا حذاء ريثما يبحثوا عن واحد يناسبه، حلقوا شعر ذقنه بالموسى بلا جروح تذكر وناولوة الحذاء الواسع قليلا ثم قيدوا يديه خلف ظهرة متجهين الي البوابة.
الشمس تنتظر الخارجين باحتفال من لهيب، تصب أشعتها فوق العيون التي اعتادت الظلمة كانما تحاكمهم بطريقتها، قبل ان يجتاز حسن وحارسية البوابة يندفع صبي القهوة بابتسامتة الواثقة وفي يدة قبعة ذات حافة من كارتون مقوي وقطعتي نقد راجيا الحارسين وضعها علي رأس المتهم لحمايته من الشمس لم يستغرق الأمر سوي ثوان حتي استقرت السيجارة المشتعلة بين شفتي حسن وكوب الشاي يحملة له الحارس يناولة رشفات كبيرة كي يتخلص من الحرج سريعا وقطعة النقد تستقر في جيبة بينما لسانه يهذي بعبارات الوعيد لصبي القهوة بان هذه المرة ستكون هي الاخيرة.
الشارع علي اتساعه خالٍ تماما من القمامة وأكوام التراب كأنما لا ينتمي لهذا الحي الشعبي شجرة التوت الوارفة تلقي بحملها الطيب علي الأرض والسيارات النائمة في أسي، باقي الأشجار اعتادت ان تتسلي بنثر أوراقها الصفراء في خطوط ممتدة تغطي ثمار التوت المنتحرة، سيارة الترحيلات ساكنة وحارسيها يتبادلوا المزاح مع صبي القهوة فالمتهم سينتقل الي المحكمة المجاورة علي قدمية فلا ضرر من كوبي شاي اخرج كل منهم قطعة نقد اودعها يد الصبي فتأملها بابتسامة ساخرة ومضي يعد الشاي.
نسوة ملتحفات السواد يقفن في مجموعات مترقبين البوابة، وسيارة أجرة تستقلها اخري ترتدي الاسود تتمهل علي استحياء لتقذفها وتعاود السير همس الحارس في أذن حسن الولية دي جايه تقضي واجب مش حزينة بجد، فتش حسن بين الواقفين عن رجل واحد فلم يجد سوي صبي او اثنان بشوارب نابتة منكمشين علي الرصيف المواجة للمحكمة، واحد من النسوة اعتدلت معتصرة حقيبة يد بالية وحثت الخطي تجاه شجرة التوت الوارفة بينما تسمر الباقون في انتظار خروج جميع المتهمين من البوابة وصبي القهوة يطوف بينهم حاملا اكواب الشاي.
ابتلع حسن اخر رشفة من الشاي من يد حارسة محملة ببعض التفل والتقت عيناه بعيني السيدة الملتمعة بدموع قد يكون سببها الحزن او ضوء الشمس راقبها قليلا وهي تسير بحذاء الرصيف محتمية بالسيارات النائمة وغصون الشجرة المتدلية، فاشرأب بعنقة عاقدا حاجبية مغمغما بعض الشتائم
لكزة الحارس ليخرس مكورا الكوب الورقي استعدادا لرميه في صندوق شركة القمامة المثبت بالسلاسل الي عمود النور، فاجأة الضعف البادي علي وجه حسن وثقل خطواته كمن رأي شبحا تلفت حوله في حيرة فلما لم يجد مبررا لكزه مرة اخري ليستكمل السير
تباطأت خطوات حسن بينما عيناه تدور باحثة عن المرأة المتوارية خلف الأشجار كانت قد اختفت، كعفريت شاحب ملتمتع العينين قطعت الطريق فجأة ويدها المعتصرة حقيبتها البالية تتقلص أصابعها عبر صبي القهوة الطريق خلفها مناديا اياها "يا ست" بينما تسمرت خطوات حسن واتسعت عيناة وهو يراقب يدها تخرج من الحقيبة طرف خشبي يحسبه لسكين بيتما الحارسين يحثانة علي السير احدهم يزجرة والاخر يزجر السيدة "امشي من هنا يا ست"
التفتت النسوة يراقبن الطابور العجيب صبي القهوة يندفع وراء السيدة الشابة التي تندفع وراء مجرم وحارسية صرخت احداهن وهي تراقب الدماء المندفعة من ظهر السجين النازف والسيدة تخرج السكين من الجرح فقط لتهوي به علي بقعة اخري بينما الحارسين تركوه يهوي كالثور وهم يحاولون تكبيل السيدة وفك قبضتها المتشتجة علي السكين.
استغرق المشهد دقائق قبل ان تتكوم السيدة والدماء تغطي ملابسها وشعرها المهوش بعضها يسيل من فمها اثر ركلة الحذاء الميري وبعضها دماء ذلك الرجل المتهم بقتل ابيها والذي لم تره من قبل وان دلها صبي القهوة عليه
بينما يرقد جسد حسن وحيدا علي الرصيف انصرف الجميع الي مشهد اقتياد السيدة الي سيارة الترحيلات بصحبة الحارسين فلم يلتفت احد الي صبي القهوة الذي حمل جريدة وغطي بصفحاتها جسد القتيل.
Posted by saso |
Permalink |
-
عجبتنى الفكرة يا ساسو
:)
ويلكم باك !
-
ليه بس ياساسو العنف ده ؟
مؤثرة .. وحزينة :(
سلامات
-
ليه بس ياساسو العنف ده ؟
مؤثرة .. وحزينة :(
سلامات
-
أتوحشتتتتتتتتتتتتك أوووووي
-
جو جديد عليكي بكل المقاييس .. أحيي خيالك اللي بيجيب صورة دقيقة عن عالم ما أعتقدش إنك عايشتيه كتير.. هنا الخيال بيفرق..
أسمع بالمناسبة إن "يحيى حقي" لما كتب رواية "البوسطجي" ما قعدش في الصعيد يوم واحد على بعضه ، ومع ذلك كتب رواية بقيت في رأي النقاد وكثير من القراء من أدق ما تناول هذا العالم المميز الذي فشل بعض أبنائه في نقل صورته بدقة!
خالص تقديري ، واعتذاري عن تأخيري ..
-
-
منطقة جديدة عليكي.. وأبدعتي فيها..
حسيت إن اللي كتبتيه ما جاش عن معايشة واعتياد للأجواء دي قد ما هو جه وليد خيال .. والخيال أداة قوية وممتازة يقدر يعوض بيها الواحد عدم معايشته لتجارب وأجواء كتير.. فيه ناس ممكن تكتب رواية كاملة عن زيارة واحدة لمكان ما ما تاخدش ساعة على بعضها.. ما أعتقدش إن "يحيى حقي" لما جه يكتب "البوسطجي" - حسب ما سمعت - عاش في المجتمع الصعيدي فترة ضخمة تقدر تؤهله لكتابة عمل روائي زي دة .. لكنه من تفاصيل صغيرة قوي ، وشوية خيال جامحين .. طلع الرواية دي..
-
تسلم يا ليو..بتفرحني اوي لما اكتب حاجة وتعجبك
-
مفتقدة بالذات احمد رشوان.من بعد الثورة مكتبش عن السينما كفاية..عن الحالة اللي بتحطنا فيها بكلامك كانك بتتكلم عن حبيبة
دمت مبدعا
-
سابرينا وحشاني اكتر من اي حد :)
-
قلم جاف
المدون اللي بغير منه واتمني امتلك قدرته علي الكتابة.
عادة لا تعلق علي الكتابة الشبيهه بالأدب.فبفرح اكتر لما تقول رأي ايجابي فيها
دمت بود
-
Mamdouh Dorrah
ان يشا شئت..وان شئت يشا
عجبتنى الفكرة يا ساسو
:)
ويلكم باك !