بالرغم من البدايات المبكرة للتنبه لمشكلة محو الأمية في مصر الا اننا حتي الآن وبعد مائة وعشرون عام من التوصيات والاقتراحات والتجريب لازلنا في وطن قرابة نصفة جاهل بمبادئ القراءة ذاتها
.
ربما البدايات كانت غير قانونية حتي استـُصدر أول قانون لمحو الامية منتصف الأربعينيات ومن هنا يفترض احتساب فترة مكافحة الأمية وتقييمها من هذا التاريخ
في البداية كان الموكل بتنفيذ ذلك المشروع هو وزارة الشئون الاجتماعية حتي تدخلت منظمة اليونسكو وعقدت اتفاقية مع الحكومة المصريه عام 52 وأنشيء المركز الإقليمي لتعليم الكبار بسرس الليان والذي ظل تابع لمنظمة اليونسكو منذ إنشائه وحتي عام 82 ثم صار هيئة عامه مصريه لها شخصيتها الإعتبارية وتتبع وزير التعليم تحت مسمي جديد هو : المركز الأقليمــى لتعليــم الكبــار.. الي هنا كانت المجهودات محدودة والامكانات كذلك ولكن المجهود ملموس
.
مجهود شبة فردي وفعّال للغاية من الرائع عبد البديع قمحاوي صاحب أضخم وأشهر برنامج إذاعي لمحو الأمية بالراديو علي مستوي مصر والعالم العربي بعنوان( ياأهل بلدي ) النصف الثاني من الستينيات ايام الهزيمه - اسم الدلع نكسة - والذي نال جائزة اليونسكو تلاها تقديم برنامج تليفزيوني بذات المضمون مع استخدام ابسط الوسائل الممكنة لربط الحروف ببيئة الدارس
.
ظل الحال كذلك بضعة سنوات مجهودات فردية ودعم اليونسكو ، حتي تدخلت الدولة بعد عشر سنوات وتأسست الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار.. وكانت فرصة رائعة لضم اغلب قيادات الجيش المحالة للتقاعد لقيادة هذا الجهاز الجديد التابع لمجلس الوزراء وقتها.. ولازلت لا افهم سر ارتباط الهيئة بلواءات أركان حرب بدءا من لواء صالح عبد العاطي يلية وصفي نور الدين .. وهو أهم رئيس للهيئة علي الإطلاق واكثرهم نشاطا علي الأقل اعلاميا !! يلية لواء حسين لقية وللأخير قصة لطيفه
فالرجل مدة رئاستة للهيئة لم تصل للسنة وخلالها ايضا لم يظهر اعلاميا وعطل برامج التدريب ولم يشارك في ايه مؤتمرات قدر استطاعتة فقط كان يريد التقاعد بهدووووووء.. والآن هي شبة مدنية تحت رئاسة د/ رأفت رضوان وهو ما هو كرئيس لمركز المعلومات بمجلس الوزراء ومصمم لمجموعة برامج مكتبية والمثير للسخرية ان الهيئة لا تملك موقعا رسميا علي الانترنت .. رغم انها انتقلت - في ظروف غامضة - لتتبع وزارة التربية والتعليم التي تنشر آلاف الصفحات
.
في بداية نشاط الهيئة اعتبر الجميع ان الاستفادة من خبرات عبد البديع قمحاوي أمراً مفروغا منه ولكن طبعا ما حدث كان التجاهل التام لتطبيقاته رغم انها الأقرب لطبيعة المصريين واثبتت نجاحها والتفاف الناس حولها..فالمنهج الذي استخدمة قمحاوي قام علي التشبيهات من البيئة المحيطة
بمقارنة بسيطة... وضح قمحاوي حرف الباء مثلا بطبق تحتة حبة أرز.. من لم يري بحياتة طبق.. من لم ير حبة ارز
الاسلوب المفروض علي الهيئة من قبل المشروع البريطاني - علي أساس ان اسلوب قمحاوي قائم علي التلقين والتحفيظ - اوصي بتدريس الكلمات لا الحروف
ازااااااااااااي
بمعني ان الدارس يتبع طريقة شامبليون يدرس كلمة ولتكن ( كتاب ) ثم كلمة ولتكن ( باب ) وعلية ان يكتشف وحدة صوت الكلمة ونطق الحروف وموضعها من النطق .. يا سلااااااااام
علي حد علمي الدارس لن يهتم لتلك الدرجة ولن يتفرغ للاستكشاف مهما حدث زد علي ذلك انشغالة بعمله وهمومه الشخصية وتربية أولاده الي آخره
النتيجة الحتمية لهذا الأسلوب هي ان يحفظ الدارس الكلمة - يعني تلقين وتحفيظ - بينما في الحالة الأولي سيحفظ شكل الحرف ومخرجة فقط .. لكن كلام البريطانين يمشي
الرجل تصور ان الطبيعي طالما استعانت بكتبه وابحاثه دولا كثيرة ان تطبق المناهج التي طورها واكسبها طابع مصري لكن بالطبع تم سلق ثلاث كتب وتدريسهم علي فترة سته اشهر نادرا ما يصل الدارس للمستوي الثالث.. وعلي اية حال فهي لا تزال تتحدث عن ابطال اكتوبر صائدي الدبابات ولا اعرف حقا كيف سيستكشف الدارس وحدة كلمة دبابة أو فيم سيستخدمها في حياتة اليوميه
.
لمجرد التنوية بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء تقول ان نسبة الأمية في مصر وصلت الي 27% تقريبا بينما كالعادة النسبة العالمية التي صدرت من تقارير اليونسكو والأمم المتحدة تحددها بحوالي 40%لان بيانات الحكومة ايضا تسقط من حسابها المتسربين من التعليم الاساسي علي اعتبار انهم بيفكوا الخط
طيب مادامت الشهادة - محو الأمية -وهي الشهادة الأولية تعادل الشهادة الإبتدائيه فلم اذن لا يحتسب من لم يحصل علي الابتدائية ضمن الأميين
للهيئة ستة وعشرون فرعا بالاضافة الي الديوان .. اذن هي تغطي كافه المحافظات وتعمل منذ اكثر من اربعة عشر عاما آخر نكتة استصدرتها الهيئة العام الماضي كانت محافظة دمياط متحررة من الأمية.. سافترض صحة ذلك البيان أربعة عشر عامل لتحرير محافظة واحدة.. اذن لازال امامنا ثلاثمائة وخمسون عاما آخرين لنحرر باقي المحافظات الخمس وعشرون.. هاااااااااااااانت
.
: عن تجربة شخصية
انجاح فصل محو الأمية خاصتك - هذا ان تهورت وفتحت واحد لاعتبارات الخدمة العامة - ببساطة مستحيل.. فلديك عائد مادي هزيل ومناهج معقده وتفتيش متواصل يمنعك انت ذاتك من التركيز وانت دوما متهم بشئ ما.. والدارس غير مهتم هو غالبا يريد الشهادة ليعمل سائق او فراش في مكان ما.. والأسوا ان تلك الشهادة تطبع مرتين في العام لدي الديوان وغالبا ما تضيع
في دارس بيحاول ياخد شهادتة من سنتين ادعولة تكون خلصت
بالنسبة للمدرب نفسة .. فترة التدريب التي لا تزيد عن اسبوعين يأخذ مقابلها مئة وعشرون جنية.. كويس الرقم دة؟؟
فتح الفصل - من عشرين دارس - يساوي نفس المئة وعشرون جنية بعد ستة اشهر تدريس ... لسه
اي دارس من العشرين يفشل في الاختبار يخصم من مكافأتك كمدرب ... للعلم مبلغ الخصم لا يساوي نصيب الدارس من المئة وعشرون طبعا يعني غالبا هتطلع مديون
الحل السحري
احضر الدورة التدريبية 14521 مرة أفضل من فتح فصل لانة مجزي أكثر دة الشعار المرفوع من المدربين رغم محاولات ضبط التدريب لمرتين علي الاكثر للمتدرب الواحد.. بس طبعا دي سهله
الخلاصة
مفيش دافع مادي - المئة وعشرون جنية - ولا حافز معنوي - احباط قمحاوي وتوحش الرقابة - للاهتمام الفردي بمحو الأمية، والاهتمام المؤسسي كما اسلفنا احتاج لاربعة عشر عام ليحرر دمياط وحدها .. مصطلح التحرير ذاتة عجيب
يبقي ان اذكر ان مشروع سوزان مبارك الذي اتبع ايضا منهج المشروع البريطاني - نفس عيوب المنهج والكتب الثلاثة عديمة الطابع - حقق نجاحا اكبر ربما لمرونة التنفيذ وزيادة العائد
مؤسسة ساويرس للتنميه الاجتماعية التي تعمل من سنوات خمس، بهبة من عائلة ساويرس - بغض النظر عن مصدر أموال تلكم الهبة - تتبع نظاما جيدا من تدريب عدد من خريجي الجامعات من أبناء الصم -المتكلمين طبعا - وإعدادهم كمدربين لمحو أمية الصم بالاضافة الي تدريب عدد من خريجي الجامعات في منهج لغة الإشارة وطرق تدريس منهج محو الأمية للصم
وطبعا بعض الجمعيات الأهلية وان كان مجهودها محدود لضعف الامكانات
هامش طويل شوية
ياللي اتحرمتوا من التعليم ... الفرصة لسه قدامكم
من غير م تدفعوا ولا مليم ... حكومتنا ناوية تعلمكم
بس اللى مطلوب منكم ... ورقة وقلم ومراية
وتخلى بالكوا معايا
!! ما كنتش ناوية اكتب عن انجازات الهيئة لكن بوست نـحـو الأمـية عند الرائع قـلـم جـاف هو السبب اسم الهيئة في ظروف غامضة أيضا تحول الي هيئة تعليم الكبار .. شالوا محو الأمية علشان تقريبا هي دي اللي كانت عاملة العكوسات