بعيدا عن المواقف السياسية والتخبط الواضح في إتجاهاتنا ألا تشعرون اننا في فوضي ، فقط لا شئ يجري كما يفترض لة ان يكون والجملة التي صرت اقرأها يوميا " نحو المزيد من الإصلاحات" ثم يسوء الحال، ليس بالجديد ان الأداء الحكومي غير السياسي- وبالطبع السياسي- آخذ في التراجع بصورة تنذر بالخطر، وتفتح الباب لمزيد من الفوضي ، فعلي مستوي الخدمات فى العام الماضي وحدة شهدت مصر مجموعة من الظواهر المقلقة، فالطريقة التي تم التعامل بها مع الكوارث التي صادفتنا -وكانت غير قليلة هذا العام- كغرق العبارة وحوادث القطارات المتكررة و مساحات التساهل التي أبدتها الدولة تجاه بعض مظاهر التسيب المختلفة التي دفعت بقطاع واسع من المصريين إلي صناعة ما يشبه الدولة الموازية، وتوسع دور الهيئات والنقابات كسلطة مدنية تدافع عن حقوق المنتمين لها، والأحزاب الموازية والأحزاب الأصلية، وكذلك الجماعة المحظورة بجوار الأحزاب القانونية
أداء المرافق العامة تدهور للغاية وحين يتعلق الامر بالسرعة في مواجهة احداث يفترض انها طارئة فالعجز عن إنقاذ ألف شخص من الموت أثناء غرق العبارة نتيجة تأخر فرق الإنقاذ عن التحرك لأكثر من 15 ساعة يجعلني أتسائل عن جدوي تلكم الفرق اساسا ، كما يدل تكرار حوادث القطارات والطرق عن درجة عالية من الإهمال والفوضي وغياب معايير السلامة، والمنازل التي تنهار على رؤوس ساكنيها منذ الزلزال الاشهر حتي الآن، وبالطبع كارثة الصرف الصحي في المنصورة وخلط مياه الشرب بالمجاري، وأخيرا قيام بعض المخابز بخلط الرصاص فى الخبز المدعم فى محافظة القليوبية. لست اعدد الكوارث علي اية حال لكني أشعر احيانا ان الاحداث تحدث في بلد آخر غير الذي نعيش فية .. فمنذ انتهينا من صخب الانتخابات الاخيرة والتي كان نتاجها من رأيي المزيد من الفوضي ولم تفرز سوي تناحرات حزبية علي لا شئ في الواقع وتخريج دفعة جديدة من مهللي الصحف القومية وجملة أصبحت اتطير منها الا وهي "المزيد من الاصلاحات" انظر الاصلاحات المذكورة عالية
وعلي مستوي حرية التعبير -المحدودة حتي- نعود لمشكلة الطلبة الأزلية اكتب في حدود مالـُـقنت فالطالبة التي كتبت سطورا غير مألوفة لعين المصحح حولها قاده التربية والتعليم إلي مباحث أمن الدولة فى مشهد عكس حجم ضيق الأفق فى النظام التعليمى وفي عقلية المعلمين، أما عن الحريات نفسها فالاعتداءات المتكررة على المواطنين من قبل أجهزة الأمن، كتلك التي تعرض لها أحد المواطنين في الغردقة أمام أسرته من قبل كمين للأمن، والذى لم يكن لأسباب سياسية إنما عكس نمط من الإدارة لا يعتد بالمحاسبة القانونية. الطريف ان اجرأ الافلام السينمائية تحدثت عن الاضطهاد الأمني في عصر سابق طبعا- كل الأفلام كانت تنويعات علي صلاح نصر كأنما لم نبتلي بغيرة- في صورة الاضطهاد السياسي ولا شئ آخر فلم تزر مخيلة اي كاتب قصة اضطهاد او تعذيب متهم في قضية سرقة اومجرد مشتبة فيه
وفى مظاهر الحياة اليومية، فالقاهرة في الثامنة صباحا باختصار ساحة حربية بين السائقين والمارة من ناحية ، وبين سيارات الميكروباص وسائقي النقل العام والسيارات الخاصة من ناحية اخري ، والأسوا ان غالبية إشارات المرور فى الشوارع لا تعمل ويترك السير فيها للذراع الطويلة، ووصلت أطنان القمامة الملقاة فى شوارع العاصمة حسب بعض التقديرات إلى حوالي 7 آلاف طن، وبدت كثير من مرافق الدولة إما غير قادرة أو غير راغبة في تحمل مسئوليتها في إدارة الشئون العامة للمواطنين
ربما أفهم أن تتخاصم الدولة السياسية مع معارضيها السياسيين، لكن لماذا تتخاصم المؤسسات غير السياسية مع المواطنين غير السياسيين، المستيقظين بطموح واحد ان يجدوا وسيلة انتقال لا تزهق أرواحهم، ومياه شرب لا تختلط بمياه الصرف الصحي، وبالطبع بيت لا يسقط على رؤوس أحد، وحد مناسب من العدالة والكرامة الإنسانية وربما بعض الحرية في التعبير ان وجد. فلا يُنتظر أن تقدم الدولة خدمات متطورة وحديثة لمواطنيها، كتلك التي تقدمها الدولة في فرنسا مثلا ، إنما كانت الدولة في مصر دائما ذات تقاليد ( بما فيها أجهزتها الأمنية) منذ تأسيسها بصورة حديثة على يد محمد على، وقادرة بكفاءتها النسبية وبتقاليدها أن تحد من أخطاء السياسة، وظل جانب كبير من هذه المؤسسات حاميا للمواطن من طول يد السياسة ، وقادرا على تقديم الحد الأدنى من الخدمات للمواطنين البسطاء ولو بكفاءة محدودة وعملت بالطبع كمسكن مؤقت لصوت الافراد علي أساس سياسة الحد الادني التي ادمنها المصريين، وهذا ما جعل هناك فارقا بين القمع السياسى الذي جرى فى السابق بحق المعارضين ، وبين ما جري فى بلاد عربية أخرى غابت عنها تلك التقاليد ، كما إنه هو أيضا الفارق بين مستوى الأداء العام للدولة طوال ما يزيد عن ثلاث عقود منذ قيام ثورة يوليو او انقلاب يوليو لا يهم ، وبين ما حدث فى السنوات الأخيرة
كانت مصر دوما خائفة من أخطار التنظيمات والأحزاب السياسية خوفا من ثورة اخري، فوضعت الاستحكامات الأمنية والإدارية لوقفها، ونجحت إلي حد كبير في ذلك. والحقيقة أن الخطر السياسي على أي نظام خصوصا بالمواصفات المصرية مسألة واردة، ففي ظل النظم المفتوحة يتحول هذا الخطر إلي صراع سلمي على السلطة بين الأحزاب والقوي السياسية، وفي ظل النظم الغير ديمقراطية يتحول إلي انتفاضات أو ثورات شعبية أو انقلابات منظمة أو مواجهات تقوم بها قوي سياسية ناشئة ضد النظام القائم بغرض إسقاطه أو تغييره.والنظام السياسى في العقد السابق واجه تحديا صعبا في الإرهاب الذي نجح في هزيمته عقب مواجهات أمنية عدة ، لأفادتة إذ حصل خلالها على دعم أحزاب المعارضة، ومع نهاية عقد التسعينيات استقرت أوضاع البلاد أمنيا وبقي الوضع السياسي على ما هو علية!!! فى الوقت نفسه انهارت أيضا أحزاب المعارضة جميعها بلا استثناء، وتراجع دور النقابات وخاصة العمالية منها التي باتت أقرب إلي السيطرة الحكومية أكثر منها نقابات مستقلة. وعلي هذة الخلفية بدأ النظام المدني في التباطؤ إلي حد الانهيار ولم يُلتفت إلية بالطبع فمحاربة الإرهاب اهم واعلي صوتاً
ومع اواخر التسعينات مرت مصر بحراك سياسي أو تململ سياسي اذ لا يسمي بعد حراك، إذ فشل فى أن يحدث تأثيرا واضحا في الشارع او فرض أية إصلاحات سياسية كبيرة، ، وباتت السياسة مرادفا لأحزاب غائبة أو قليلة الحيلة او متصارعة علي لا شئ وغير محسوسة الصراعات إلا من باب التندر غالبا، وقوى احتجاجية متعثرة، وتيار إسلامي يعاني من حظر قانوني وأمني وتهور يكسب السلطة المزيد من فرض الحظر عليه مما جعله بعيد عن قيادة البلاد أو المساهمة الحقيقية في عملية التغيير. وبالطبع الإصلاح المجتمعي كان هو أساس الخطب الانتخابية والمضحك كان الحديث عن أساسيات مثل التأمين الصحي والإسكان وحق التظاهر وحرية النشر بتضخيم شديد كأنما هي ترف سيهدي للناخبين وليس حقا يفترض حصولهم علية منذ الأبد ولتنظر إلي احوال المجتمع حولك ستجد تراجع شديد في درجة احترام القانون وفرض هيبة الدولة ( غير الأمنية بالطبع ) على المجتمع، فوضي ، كما تأثر سلبا أسلوب إدارة الحكومة للعمل اليومي، فوضي، بالإضافة الي التبلد السياسي وهذا اعتدنا عليه، والذي انتقل بدوره إلي الإدارة والمؤسسات العامة والخاصة، وأصبح من الصعب القيام برقابة جادة على الأداء العام. وبما ان التجاهل متبادل من الدولة للافراد والعكس كيف سنستمر في تسميتها دولة اساسا
وما اخشاة حقا هو محاولة إصلاح الفوضي بالمزيد من الفوضي فان تنظر للموقف من بعيد تجد ان البلاد مؤهلة تماما لانتفاضة اجتماعية سياسية كتلك التي قادها اليسار للاعتراض على الغلاء في انتفاضة 77،او كاعتصامات النقابات التي بدات تتمتع بنفوذ يفوق نفوذ السياسيين لكنهم يتمتعون بسمعة أفضل ، وبالطبع مظاهرة الإخوان للمطالبة بحق مشروع مع اعتراضي الكامل علي الاسلوب المتبع ، أو احتجاج علي تعديل المادة76 الذي اتُبع بمهزلة المطالبة بتغيير34 مادة من الدستور دفعة واحدة ولازلت لا اعرف اية مخيلة التي افترضت امكان تغيير كل تلك المواد مجتمعة والأغرب ان لا احد يعترض حتي الآن لكن ان حدث فاسلوب اصلاح الفوضي الذي ألفناة –جنود الأمن المركزي اياهم والمزيد من الاصلاحات- لن يؤدي إلا الي المزيد من الفوضي والمواجهات الامنية
إن كانت هذة الحوادث التي مرت بالعام الماضي وما سبقة هي الإصلاحات المدنية الموعودة فأنا أريدها مصر بدون إصلاحات إذ الواضح ان الاداء يتناسب عكسيا مع النية له فلم تصدمني في السابق رؤية سور مدرسة الا بعد بدعة شعار مدرستي نظيفة جميلة متطورة ملطخة بالدهان، وشعار مظلة التامين الصحي لجميع المواطنين –شعار الانتخابات الهزلية السابقة – الذي تلاة نية خصخصة القطاع الطبي فان كان الأمر كذلك فلتسقط الإصلاحات