دوريات العسس تجوب الخميلة للمرة الألف بهذا الصباح, شفاههم ترتعش
برداً ووجلاً, وكل خطوة بين الخمائل تثير فيهم من المخاوف شيء كثير, في المقدمة
يتخايل قائد الحرس على صهوة جواده لا شيء يميزه ولا هيبة تؤهله لمنصبة القريب من
القيصر سوى الولاء حد الانصهار في خدمة القيصر
الاضطراب عدوى تنتقل من القائد لسنابك الجواد لقلوب العسس فهذه هي
المرة الأولي التي يعصون فيها أمراً للقيصر, ولكنهم لم يجدوا قيصرا ليأتمروا منه
فخرجوا للبحث عنه, سبعة أيام قد مرت مذ خرج القيصر لرحلته الغامضة الأولى والأخيرة
وطلب منهم الانتظار فانتصبوا واقفين حيث أمرهم لسبعة ليال طوال
في الليلة الأولى انتظروا الخروج وفي الثانية مطوا أعناقهم علهم يلمحون جواده
اللامع ينهب الأرض تجاههم وفي الثالثة جلسوا متقابلين يعتصرون بطونهم الجوعى
متسائلين متى يعود الغائب ومتى يؤذن لهم بالمضي لجلب الطعام, في السادسة أمر
القائد من بقى حياً من العسس بالبحث عن القيصر بقلب الخميلة فاستغرق الأمر ليلة
كاملة وبضع عظاءات أُلتهمت على مهل ليستجمع القائد شجاعته وينتصب على جواده مقررا
لأول مرة.. أن يفكر.. ويقرر
فاغرين أفواههم دون كلمة وصل الجمع باب القصر المهيب وفتحت البوابات فابتلعت قائد
العرس والعباءة الفارغة بينما تسمر الجمع إلى حين
"عباءته استوت على العرش أمامكم تحكم بهديه وتصرف أموركم بحكمته" اشرأبت
الرؤوس متطلعة لمشهد العباءة المهيب وقد استوت شامخه على عرش مذهب، خيل لهم انها
ترفع ذراعها ملوحة محييه مطمئنة انطلق أحدهم محييا مليكه بعينين دامعتين راكعا
ممسكا قلبه بكفه، تبادلوا النظرات قليلا بعيون دامعه ثم استووا جميعا راكعين
ممسكين بقلوبهم مقسمين على الولاء لعباءة قيصرهم شاكرين له استجابته لدعواتهم، غابطين
أنفسهم بالنجاة من المذابح، حتى المقربون استووا ركوعا دامعين مهنئيين ذواتهم
بالاحتفاظ برؤوسهم شاكرين حكمة العباءة وحقن الدماء
الهواء مهيب هنا ويحمل رائحة القيصر أو هي رائحة الرنده ربما أتى ألى
هنا ليتزود من رائحة الرند لعقد آ الطيور ترمقه بدهشة فلم تعتد مرور السنابك من هنا ولا الرجال المرتعدين والآن وقد
مرو بذات النقطة ألف مرة أو يزيد ملت الطيور من رمقهم ومل الرجال من الارتعاد،
انتقلوا من مسح الأرض بنواظرهم لمسح الأغصان وأوكار الطيور فلما ملت الطيور من
التلصص رفرفت ولطمت بجناحاتها غصن مائل تعلقت به خرقة بلون القصب تكومت
أكمامها بينما بقيت الأطراف متعلقة بغصنين
صغار كأنما تماهى ساكنها مع الشجرة فصارت قدمية جذعا ضاربا في الأرض وانطلق الجسد
جازعا النهر نحو الفراغ, تعلقت أعين العسس طويلا بالمشهد الغريب والمضحك معا فلم
تطاوعهم حناجرهم على الصياح لتنبيه القائد ولا شفاهم على الابتسام فظلت أفواههم
مفتوحة تنتظر
أما قائد الحرس فلما رأى العباءة انتفض وبادر بالاعتذار لها لعصيانه
الأمر بالانتظار وطفق يبرر فعلته ويطلب الغفران ثم تناول كم العباءة فقبله بخضوع
ثم حملها بحرص على سرج حصانه وسار بجانبه حتى فارقوا الخميلة متجهين إلى القصر
الملكي، اصطف أهل المدينة بجانبي الطريق يتساءلون أين القيصر دون عباءته بينما
التزم القائد الصمت وأبت أفواه العسس الانغلاق وتبعتها أفواه العامة
على المقاهي وفي التجمعات بدور العبادة دار الحديث عن حضور القيصر
برغم الغياب وتجليه في الأسواق والحقول وأقسم نفر من الناس انهم رأوه طافياَ فوق
البحيرة فابتسم ألا تحزنوا فكبروا وهللوا وانصرفوا
مستبشرين
بالغرف الموصدة وجلسات المسامرة دار الحديث عن غياب القيصر بالسنوات
الأخيرة رغم الحضور وقد
انصرف إلى اغتصاب الأرض والزرع والألسنة وانها لإشارة
ارسلتها السماء بان الظلم قد انتهى أوانه فكبروا وهللوا وانصرفوا مستبشرين
بقاعات المدينة ودوائر القرار دار الحديث عما بعد غياب القيصر وتغول
قائد الحرس وظهوره أمام الرعايا بمظهر نائب القيصر والمتحدث باسمه وانها لفرصةلانهاء
حكمه وقائده وتقاسم السلطة فيما بينهم فكبروا وهللوا وانصرفوا مستبشرين
أمام كرسي القيصر قبع قائد الحرس مغموما محاولا ان يقرر ما عليه فعله
حقاً مذ عاد من الخميلة أغلق على نفسه والعباءة قاعة الحكم ولم يهتم أحد بالبحث
عنه، وكل احتمال طاف بخلده يحمل من الخطر ما يحمل، فان خرج على الجمع خاطباً فيهم أن
القيصر قد انتهى ولا جباية بعد ستسود الفوضى وربما اقتحم الغوغاء القصر فتصبح رأسه
غنيمه أحدهم، وان خرج على الجمع خاطباً فيهم ان القيصر عاد وعليهم ودفع الجباية
ستسود البلبلة وربما اقتحم المقربين لقيصر القصر للتأكد وتصبح رأسه غنيمة أحدهم،
وان خرج على الجمع مؤكدا ان قيصر لابد عائد وعليم الانتظار لربما استتب الأمر
يوماً أو اثنين ثم ينقض العامة والمقربين لقيصر على القصر مقتسمين رأسه كأولى
الغنائم فماذا هو فاعل
مر المساء تلو الصباح والهمهمات تنساب بين الرؤوس حتى ساقتهم آذانهم نحو
ساحة الاحتفال حيث اعتاد قيصر ان يخاطبهم بالأعياد والأحداث الجلل فغياب قيصر حدث
أجل ولابد ان ينتظرهم شخص ما ليخبرهم انه القيصر الجديد فيدفعون له الجباية صاغرين
أما المقربون لقيصر فقد انتهوا من اقتسام السلطة ودوائر الجباية ومحتويات
القصور واختلفوا فيمن سيجلس تاليا على العرش فتوجهوا لاقتحام قاعة الحكم وكلمنهم
يمني نفسه
بالعرش الفخيم
بالقرب من ساحة الاحتفال كان التوتر باديا على الخدم، كرسي العرش
ينتقل لصدر الساحة وطاولات الطعام تمد لاحتفال لا يدرون متى تقرر وما المناسبة،
بالكاد أنهوا كل شيء وانسحبوا لآخر القاعة ينتظرون المحتفلين في البدء حضر العامة
خانعين متسائلين لمن مدت الطاولات فلما خبروا انها لهم انصرفوا للطعام وليكن قيصر
من يكون، ثم حضر المقربون فبهتوا لرؤيا الطاولات فتناهشوا أيهم أمر بمدها وانفرد
باعلان ذاته قيصراً وأعلنوا عن سرائرهم بالاستيلاء على الحكم وسط المبارزة وأيقنوا
ان مصائرهم غالبا هي القتل والتمثيل حتى قال أحدهم ماذا لوانا جميعا صادقون فمن
أمر بالاحتفال، ولما لم يُجب أحد انصرفوا إلى سيوفهم يستحدونها استعدادا لمعركة
ربما هي الأخيرة ولا مفر
حين انزاح أخيرا الستار عن كرسي قيصر ألقت المشاعل حوله آلاف الظلال
فبات من الصعب تبيان ما إذا كان العرش خاليا أم سكنه قيصر جديد وعندما تكلم وسط
الظلال أحدهم جاء صوته كصوت قائد الحرس فعلت الهمهمات الغاضبة قالت الجموع لا ندفع
الجباية لقيصر جاء من العامة مثلنا وقال المقربون نتقاتل فيما بيننا ويحكم الفائز
او نموت وقال الخدم ألهذا مدت الطاولات وبعد قليل ستحطم فوق رؤوسنا انه لجهد ضائع
أما الصوت فقد انتظر طويلا حتى هدأت الأصوات منتظرة ان يبدأ أحدهم
بالفعل فلما لم يجدوا صمتوا متأهبين، حينها طلب قائد الحرس إطفاء بعض المشاعل
فتراقصت الظلال مهابة قبل ان تنطفئ وظهر ما على العرش استوى لم يكن القائد جالسا
هناك فعلى العرش انتصبت عباءة بلون القصب لا يبين لها رأس ولا قدمان عباءة تجلس
وحدها، لم يقرر الجمع ما عليهم فعله ربما تسبب الضحك الآن او الهمهمة او الاندفاع
بقطع بعض الرؤوس وكل الحضور كانوا ينتوون الاحتفاظ برؤوسهم لأطول مايمكن علهم
يشاهدوا رؤوس غيرهم تطير وهم آمنين فصمت الحضور طويلا طويلا
حين تحدث قائد الحرس ثانية كانت الرهبه كالعدوى انتشرت بالنفوس فخرجت
الكلمات مهيبة بصوت القيصر أو هو أفخم، حدثهم طويلا عن رغبة القيصر بالرحيل وخشيته
على أبنائهم وممتلكاتهم من التناحر وخيانة المقربين وجهل العامة حذرهم من الفوضى
والدم المراق أخرج مخاوفهم جميعا من الصدور وجسدها بجوارهم شخوصا أقرب إلى الغيلان
تأكل زرعهم وتحرق بيوتهم وتستحل نفوسهم، علت النهنهات كل يزجر جاره كي يكف عن
الهمس لينصتوا أكثر لقائد الحرس، طالت الخطبه وشردت أفكارهم ما بين الحنين لما كان
من حكم القيصر وبين الخوف من قيصر جديد ليته لم يذهب للخميلة ولم يفقدوه كان الصوت
قد خفت كثيرا وهم في انشغال بافكارهم وحين عاد الصوت يعلو ميزوا بعض الكلمات
"والآن وقد تجسد بحكمته" ليتهم لم يتضرعوا للخالق ان يزيح
الغمة فهاهي غمة أسوأ تلوح، "فقد استجاب برحمته" ليت البطانة حوله لم
تمنع عنه توسلاتهم لخفض الجباية، " وليترك لنا بعض حكمتة لإدارة
البلاد"، هو أتى قيصرا منعماً فلم يطلب لنفسه الكثير ربما يولى الآن جائعا
جشعا فيسلبنا أقواتنا، "فكان من الصعب عليه ترككم للطامعين" ليتنا لم نضع رقابنا دون الملك كنا منعمين بفضله والان سنتقاتل على الفتات، "وقد تجسدت معجزته أمامكم" لابد وأن نعترف بفضله
فلولاه ما كنا كما نحن اليوم والان ينتظرنا مصير غائم ليته ترك لنا دليلا به
نهتدي، " به تهتدون وبه تأتمرون" قاطعت أفكارهم كلمات القائد الأخيرة ها
هي البشارة فبم الاهتداء
استوت العباءة على العرش سنينا أكثر مما استوى قيصر عليه فكانت كلما
بليت ألبسوها عباءة جديدة وزادوا الجباية من تلقاء أنفسهم علّ قيصر لا يغضب ويتركهم
للخراب.. وقد رضى