Saturday, December 05, 2009,4:00 PM
والان أعود
الآن أذكركِ تشعين طهرا وجمالا خلف زجاج نافذتك الغائم، تحتضنين وسادة وردية تراقصينها كأمير أحلام منتظر تمنيت دهرا أن اكونه. تتظاهرين انك لا تلحظين بريق العيون المترصده، زوج من المراهقين يتنافسان في الطرق علي لوح الخشب، وقلوبهم خفقاتها أعلي دويا من ضجيج المطرقة
والأميرة تمضي في دورانها السحري وفستانها بلون السماء كأنما تحملها غيمة وهي تراقص النجمات
تلتقي أعيننا فأعرف انك ترقصين لي وحدى، تضمين الوسادة فيكاد دفء أنفاسك العطرة يلامس خدي، يحتضن الشعيرات النابته حديثا بعد محاولات مضنية من تمرير حد الموسي فوق البشرة الطفلة. كانك فيض من حنان تبتسمين، كأنك موج من حرير تتهادين، ترفضين أن يشغلني التنافس المحموم عن التأمل في دورانك السحري فتتركين وسادتك وتدورين، تدورين فتشتعل الحرائق في دمي ويسيل الحب شعراً علي الأوراق، تدورين فتغزلين في خاطري خيوط الكلمات التي سأقضي العمر بين يديها أمسك الزمام حينا فأنسج ثوبا من سطور وتأتي ابتسامتك الوردية فتحيك الثوب ليناسبك انت .. فقط أنت
فكأنما الأبجدية خلقت فقط كي تصفك وكأنما القلم يأبي ان يخط سطرا عن سواك.
ولكم بكيت وروي الدمع الأخاديد الخشنة المستوطنه خدي الذي كان يوما صبي حين ارتحلت مجبرا لمدينة لا تعرفني.. لمديتة لا تعرفك. ولكم حكيت عنك لأصدقاء الشباب وأضفت من عندي تفاصيل كاذبة، وكم استرسلت في وصف ملمس شعرك الحريري المضموم في جدائل من ذهب، ولكم أبلت أصابعي ورقة صغيرة حملت خطك السحري كتبتِ فيها ببراءتك الطفلة كلمتين حين ارتحلت " الله معك " فكأنما كتبتِ " أحبك.. أعشقك " واحترت كيف أرد رسالتك وانا حبيس مدينة شاسعة لا تعرف السحر وزجاج نوافذها ناصع يشف الملامح بغير جهد وبناتها مسموعة الصوت دون ترصد.. مدينة بلا خيال
ثم انشغلت في وصف ملمس مآذن العاصمة وتتبع رائحة التبغ في الحافلة وبين الأصابع المتشنجة لذوي العوينات علي المقاهي والقامات الناحلة. دنيا من الأحلام والانكسارات والعمر البادئ ما أمهلتني لحظة لأرسم علي الأوراق سلويت وجهك الغائم خلف الزجاج البعيد
بالأمس كان زفافها.. كالصفعة المفاجئة أتاني صوت أختي الكبري بلا تعمد ولا اهتمام كأنما تقول لي ان الشمس كانت بالأمس غائمة، وكأن حديثها سكين يقطع كل ارتباط لي بقريتي،حلت مقاهي العاصمة محل جلسات السمر في الليالي المقمرة، حتي الحلم امتلأ بالمبان العالية، واليوم تلو اليوم مر ثم عام فوق عام كاوراق صفصافتنا العتيقة في أواسط الخريف، هل أقول اني نسيتك بعد حين.. ياه ما أقسي الزمن، والأيام تطويني كمهرجان من دمع ومن فرح انتصارات صغيرة ورحيل الأحبه واشتعال الشيب في الرأس العنيد
ثم أتاني الموت الزائر المقيت فاستولي علي أمي كقطعة شطرنج يقتنصها في صراعه الأبدي، العجز أمام الموت موت يا أصدقاء.. حملت أمي علي يدي في اعتراف صريح بالهزيمة، ونكست رأسي احتراما للغريم المنتصر
بين الشواهد قرأت عرضا اسمك منقوش بخط مهزوز يشابه الخط علي قصاصة محفورة للأبد في حنايا الذاكرة
الدمع الحبيس يا أصدقاء يصنع غلالة كزجاج غائم ترقصين خلفه رقصتك السحرية، وأنا أواري الجسد الضئيل الثري رسم الخيال حدود وجهك، وجه كان يشع بهاء، وجه عشقته يوما وصاحبي حين كنا مراعقين يتنافسان في الطرق علي لوح الخشب
لابد أن صاحبي كان قد قُد من حجر، فلا لمرآك لانت أصابعه ولا لدورانك رقصت أضلعه، ولا سال الحب من قلبه مدام أحمرا يرسم حدود وجهك علي الأوراق، هو لم يسهر ليالٍ يراقص خيالك تحت ضوء القمر، ولا مر ببابك عند الفجر متسمعا عله يفوز بسماع نبره صوتك أو يري وجهك دون أن يفصله عنه زجاج
هو لم .. ولم.. لكنه علي كل ذلك قد فاز بك. لابد أن أصابعه مرت الآف المرات بين حرير الجدائل وتعبدت دهراً في محراب العيون اللماعه.
"جن صاحبك" هكذا تحدثت أختي الكبري في مكالمة قصيرة لابد ان خسارته تفوقني ألف مرة. ان امتلاكك يا عروس البحر كان حلما عانيت كثيرا لما تبدد.. لكن خسارتك بعد الامتلاك هي مالم أكن لاتحمله.