الوقت لا يكون مناسبا للحديث عن زعيم عربي في أي توقيت، فالزعماء العرب ينفردوا بخاصية شاذة هي انهم -جميعهم- يسطع نجمهم فجأة فلا نكاد نعرف عنهم إلا ما يقوله مستشاريهم عنهم من آن لاخر وعن ماضيهم الثوري ونبوغهم العلمي الخ، كلما مل الناس من الحديث عن انجازاتهم الحاليه وتطلعاتهم المستقبلية والخطط طويلة المدي التي لا يتحقق منها شيء غالبا كنتيجة لخاصية شاذة أخري هي قصر العمر الافتراضي للزعيم العربي
قلما نجد الوقت الكافي للتحقق من ماضي الزعماء وسط التطورات اللاهثة لشخصية الزعيم والكم الهائل من الخطب والتصريحات والمؤتمرات والقمم والمصالحات والمخاصمات والسقطات والاعتذارات المنهمرة في أقل زمن ممكن كأنما يريد الزعيم الانتهاء منها سريعا قبل انطفاء بريق زعامته - وله الحق- إذ فجأة ينتهي الأمر باكبر تأثير درامي ممكن وتبدأ مرحلة من انتزاع ريشات الزعيم علي سبيل المكاشفة.
أقول لن نجد الوقت الكافي للتحقق من ماضي الزعيم خلال حياته كأنما نبت فجأة وقفز الي الصدارة ونحن نيام ،فقط بعد أفول نجمه بالموت الطبيعي أو الاغتيال أو العزل أو-الأسوأ- تحول اجماهير عنه وتجريمة ،أقول فقط بعد هذا تخرج فئران الجحور رؤوسها وتناقش ماضيه وتفند أكاذيبه وتؤكد أو تنفي نبوغه وانجازاته ووطنيته ،بل وتسحب منه لقب زعيم في أحيان كثيرة.
فينبت له فجأة زملاء دراسة وزملاء كفاح بل ومعارضين ومقومين لافعاله ومعترضين علي سياساته أو داعمين لها، هذا غير المحللين ومراقبي الأنفاس ممن يربطوا الماضي بالحاضر ويصلوا الي استنتاجات أقرب إلي التنبؤ لسيناريو سقوط الزعيم بعد سقوطة الفعلي بالطبع.
فتلتفت حولك فجأة لتجد أن كل شيء كان سريعا حد اللهاث ، منطقيا حد المبالغة، متوقعا حد الملل،لكأنك كنت الوحيد الذي صدق انه حمل بينما كان الباقون -جميعا- يحصون أنيابه!
ينطبق حال الأنياب هنا علي الزعيم الذي يبقي زعيما بعد موته أو اغتياله وعلي ذلك الذي يلفظة الناس -وهم قله- اثناء حياته. فبعد انتهاء صلاحية الزعيم لن تجد مهما حاولت من انخدع فيه أو صدق بريقه الساطع سواك
إلي هنا والأمر قابل للتعميم في العديد من دول العالم الثالث خصوصا، حيث صنم الزعيم يشيد بحيث تطاول قامته السماء،فيحدث سقوطة -عند السقوط- دويا يفوق قامته صدي، مستدعيا المزيد م نالتحليلات والرصد والمزيد من انتزاع الريش حتي لا تبقي تفصيلة في حياة الزعيم- سابقا- غير محل للنقاش.
عدا ان المميز لدينا نحن العرب هو قصر الفترة بين بزوغ نجم الزعيم وتفردة وتسيده وبين السقوط إلي حد انك تصحو من نومك مفزوعا علي أصوات الهتاف لرجل لا تعرفه أصبح في غفلة من الزمن زعيما لحزب أ حكومة أو وطن باكمله، قد يكون وطن جار أو وطنك ذاته وما هي إلا بضعة أعوام حتي تستيقظ علي ضجة مماثلة للأولي إما منددة أو مودعة للزعيم فور سقوطة لياخد مكانه في مقررات التربية القومية أو كتب التاريخ -ان كان محظوظا- المقررة علي أطفالك علي خلفية من الهتافات للزعيم الجديد
واحدة من الظواهر الجديدة المصاحبة لبزوغ نجم الزعيم حتي سقوطة هي ظهور فئة مدعي الاعتدال وطرح الرأي الاخر إلي حد يجعلهم مناهضين للرأي السائد أيا كان، مبدلين وجهة نظرهم لتحقيق مبدأ مخالفة الرأي العام ولا شيء أخر.
فأصبح من المسلي الآن تتبع التحليلات المستفيضة لتبرير أخطاء الزعيم تجري علي ألسنة المعتدلين الجدد بذات المبالغة التي يعيبونها علي الأنظمة الرسمية في الدفاع عن احد الشخصيات العامة، ويمتد الجدل حتي بعد سقوط الزعيم أو موته لسنوات وسنوات فلا ينفض السامر إلا بعد ظهور الزعيم الجديد، وصمت المعتدلين الجدد انتظارا لتحديد الموقف العام من الزعيم تمهيدا لاتخاذ الموقف المعاكس وهكذا دواليك..
العرب ظاهرة صوتيه عنوان كتاب ممتع لعبد الله القصيمي أثبت كاتبه صدق دعواه علي مدي صفحاتهالسبعمائة ، ربما علينا الان تعديل العنوان السابق ليصبح" العرب ظاهرة صوتية قليلة سريعة العطب"